الخرطــوم / الكلاكلـــة
يوم السبت ١٥ أبريل كان واحد من الايام التي لاتنسى في حياتي ، في هذا اليوم قرر مشعلوا الحرب ان يدخلوا بلدنا في متاهة، بدأت الحرب في مناطق كثيرة من السودان وهنالك مناطق تصنف على أنها مناطق آمنة من ضمنها الحي الذي نسكنه، لم يكن فيه قتال مثل باقي أحياء الخرطوم لكن عانينا من تأثيرات الحرب الأخرى مثل انقطاع الكهرباء و الاتصالات و المياه.
في الأيام اللاحقة ل ١٥ أبريل بدأت خدمات الاتصالات في الانقطاع و ظهرت ندرة في النقد و توقفت تطبيقات البنوك عن العمل، كنت اعاني الأمرين للحصول على مبلغ من المال لبعض العلاجات لوالدي و اختي مع توقف اغلب المستشفيات و المراكز و الصيدليات و انتشار كثيف لأفراد ينتمون إلى جهات أمنية يقومون بالقبض عليك لمجرد الاشتباه بك (بالشكل فقط) لم يكن سهلا البحث عن أي خدمات في ظل تلك الظروف أيضا تبعها انقطاع للتيار الكهربائي لمرات عديدة و صاحب ذلك انقطاع للمياه أيضا، حيث أصبحت المياه سلعة باهظة جداً لدرجة ان جركانة المياه قفزت إلى ٥٠٠ جنيه في وقت لم يكن متوفراً فيه نقد كافي لشراء مياه كافية للاستخدام اليومي، كان البعض قد لجأ إلى استخدام المياه من آبار الحمامات الجديدة التي لم تستخدم و حتى هذه المياه كانت هنالك صعوبة في الحصول عليها و لكي تحصل جركانة او اثنتين تحتاج إلى الانتظار ما لايقل عن ساعتين او ثلاث، أيضا حدثت ندرة في الكثير من السلع مثل السكر و الدقيق و الزيت و الصابون نتيجة لتوقف المصانع و عمليات النهب التي طالت المستودعات و المخازن، بدأت السلع في الاختفاء من المتاجر نتيجة لتوقف الإمداد للأسباب سابقة الذكر و أيضا لان أصحاب المتاجر و المحلات التي لم تتعرض لسرقة بدأوا في نقل بضائعهم إلى خارج ولاية الخرطوم، كل ذلك جعل الأسعار تتقافز لمستوى أصبح من الصعب جدا تحمل تكلفة ان تتحصل على وجبة.
بما انه لايوجد عمل أو مؤسسة تعمل أصبحنا نتجمع في الحي نتناول الوجبات مع بعض حيث اننا جيران و منا من لا يجد ما يأكله لذلك واصلنا في فكرة ( الضرا) حتى نساعد بعضنا، في ذلك التجمع كان كل حديث لنا او نقاش يدور في اتجاه متى تتوقف الحرب و نعود إلى حياتنا الطبيعية، الكثير من الامل في ان تتوقف الحرب الكثير من الدعوات في ان لا تحدث هذه الحرب شروخاً اجتماعية لا يمكن علاجها خاصة وان الحي يعبر عن تنوع السودان الوطن الواسع ، حيث ينحدر سكان الحي تقريبا من كل مكان من السودان.
كل يوم يمضي نرى بأن الحرب تحكم خناقها اكثر على البلد لكن كان الأمل ما زال يكبر مع كل اعلان لهدنة، كان الأمل الأكبر عندما تم اعلان توجه الطرفين لمنبر جدة للمرة الأولى و اعلان اول هدنة كنا نرى بأن هذه الهدنة ان تم الالتزام بها فإنها سوف تمهد لانهاء الحرب، كل من كان في مجلسنا في ذلك اليوم اقسم ان يعود إلى عمله ان تم اعلان الهدنة و الالتزام بها، ظل كما هو عليه فرح مع كل اعلان لهدنة و معاودة الانتظار لهدنة اخرى.
في اوائل يونيو بدأت أصوات من داخل الحي تنادي بأن يقوم الشباب و كل من هو قادر على حمل السلاح على الاستنفار في قيادة الاحتياط المركزي التي تقع على مقربة من الحي لحمل السلاح و الدفاع عن الحي ضد السرقات التي تحدث، في ذلك انقسم مجلسنا إلى فريقين فريق مع الاستنفار و فريق ضد الحرب يومها لاحظت ان ما كنا ندعو الله أن لايحدث قد حدث بالفعل يومها لاحظت ان هذه الحرب تحتاج إلى مجهود اكبر من اي شي ليس لايقافها و حسب بل لمعالجة اثارها، يومها قلت لهم ان ما تفعلونه قد تكون نتائجه كارثية على الحي لا يجب علينا حمل السلاح او ان نكون جزء من هذه الحرب باي شكل من الأشكال لان حمل السلاح تحت دعاوى حماية الحي اليوم ما هو إلا بداية للزج بكم في المعركة غدا، و ان ما تفعلونه بحملكم للسلاح استدعاء لمعارك يمكن أن تظل بعيدة من هنا طالما التزمنا برفضنا لهذه. يومها وصلت لقناعة ان هذه الحرب قادمة إلى هنا لا محالة حتى الآن نحن نعاني من الآثار و سوف يحين الوقت قريبا لان نكون في قلب المعركة، لم يمضي وقت طويل حتى بدأت المناوشات احيانا في محيط الحي و أحيانا تنتقل المطاردة إلى داخل الحي إلى أن بدأت المعركة في يوم ٢٥ يونيو في الاحتياطي المركزي، كان وقتها لابد من قرار و تنفيذ سريع بالمغادرة أصبحنا في منتصف منطقة الاشتباك و تحت ظل المقذوفات و الرصاص، في يوم ٢٦ يونيو2023 الساعة الخامسة صباحا غادرنا الخرطوم في وقت لم نستطيع فيه حتى اغلاق المنزل بصورة جيدة حتى سُرق لاحقا، غادرنا و في نفوسنا الكثير من الألم و الأمل، ألم للمغادرة بهذه الطريقة اهم حمل فيها هو أن تنجو بحياتك و أمل للعودة مرة اخرى في يوم تكون فيه مكان أصوات البنادق أصوات الحياة و ضحكات الأطفال دعوات الأمهات هديل الحمائم صراخ الكماسرة في المحطات و السابلة في الطرقات، غادرنا و الحنين يتقد بداخلنا لأماكن و أشخاص لذواكر و ذكريات.
في نقاط العبور وصولا إلى النيل الأبيض كانت هنالك الكثير من نقاط التفتيش للطرفين كل نقطة تفتيش كانت الأسئلة متشابهة، ماذا تعمل ، أين تعيش ، ما هي قبيلتك.
تم إنزال البعض لصفات جسمانية فقط مثل وجود صلعة مستديرة، او وجود خط على الكتف، علامات على الكوع، الطرف الآخر تم إنزال بعض الركاب على اساس مكان ميلادهم او قبائلهم، كنت ممن تم انزالهم بناء مكان الميلاد، كانت اجابتي انني لم اختار أين اولد لم يتم سؤالي عن أين افضل ان اولد، لم اختار قبيلتي او لوني لم اختار والدي او والدتي، انا وجدت نفسي هكذا في هذه الدنيا لا يمكنك أن تحاسبني على ما لم اختاره.
هذه الحرب افرزت الكثير من الأشياء جزء منها يعتبر من الأشياء الجميلة التي تعكس معدننا الجميل، مثل فكرة التكايا التي يقدم فيها الطعام للجميع بدون فرز بدون مقابل.
مقابلها أيضا افرزت هذه الحرب عديد الاشكالات الاجتماعية و الغبن الشديد، لمعالجة كل ذلك لابد من تتوقف هذه الحرب، لابد من أن يعلو صوت السلام.