Sama Foundation For Advocacy & Human Rights

أمل متواصل ورحلات متقطعة

أمل متواصل و رحلات متقطعة

فتحية السيد

اندلعت الحرب في صباح ال15 من ابريل مع استيقاظي من النوم ونسبة لمكان سكني في حي العمارات شارع 37 في مبنى للطالبات مجاور لشارع المطار بالقرب من مستشفى الاطباء منذ الساعات الأولى من الصباح انقطع التيار الكهربائي و وجدنا نفسنا انا وشريكتي في السكن في حالة فزع من الاصوات والاسلحة الثقيلة في البداية بدأنا في تطمين بعضنا هذه الخرطوم أن تشتعل فيها حرب تستمر لمدة يوم امر مستحيل هذا مجرد اشتباك وستتدخل القوى المدنية والمجتمع الدولي وتهدأ الأحوال ونواصل حياتنا الطبيعية بعد ساعات تهدأ قليلا ثم تزداد قوة الاسلحة لدرجة حدوث هزة ارضية واصوات صافرات الانذار لسيارات الجيران وعندما نتشجع ونختلس النظر عبر البلكونة لا يوجد سوى أُناس يجترون حقائبهم ويستمرون في الحركة باتجاه شارع محمد نجيب ونبدأ بالتساؤل هل هؤلاء هم المواطنين المحتجزين في المطار ام أصحاب البنايات المجاورة نذهب الى الطابق الاعلى لنستطيع النظر الى شارع المطار العديد من السيارات المدججة بالسلاح تتجه شمالا باتجاه بوابة المطار المقابلة لمقر للدعـ.ـم السـ.ـريع لم نستطع تمييزها هل تنتمي للدعم السريع ام الجيش لكن بناء على الاخبار في مواقع التواصل وسيطرة الدعم السريع على المطار لابد من انهم قوات الدعم السريع

مع مرور الوقت واستنفاد بطاريات جوالاتنا و اغلاقها تزداد حدة توترنا وتبدأ صديقتي في اخباري بخبرتها بشهود حربين في اقليم النيل الازرق وان افضل طريقة للنجاة هي أن نلازم البيت الى ان تحصل هدنة من القتال ثم يمكننا الوصول الى الميناء البري مكثنا أربعة أيام في الشقة انتهى مخزوننا من المياه والغذاء والنقد الذي لدينا استهلكناه في بقالة بشارع 41 الذي كنا نذهب إليه مع اذان المغرب يفتح المكان لمدة لا تزيد عن دقائق معدودة وبرغم ذلك هي أيام فقط وأصبحت الأرفف فارغة والمياه معدومة .

في اليوم الخامس استيقظنا على دوي مدفع قوي جدا وتصاعدت اعمدة دخان كثيفة ويبدو أنه لا يبعد كثيرا قررنا ان نخرج سريعا و نتجه الى منزل قريبتنا في نفس الحي لكنه باتجاه شارع محمد نجيب انضمن الينا شابتين في الشقة المجاورة احداهن من القضارف والاخرى من ولاية الجزيرة حملنا حواسيبنا النقالة و جوازات السفر وانطلقنا مع مخاوف هل سنواجه احدى القوات المتقاتلة ام قناصين ام لصوص قابلنا تحت العمارة ضابط في الشرطة بملابس مدنية يقود سيارة مدنية قام بنقلنا الى مكان سكن قريبتي ونسبة لان اليوم في منتصفه قررت الشابتان الوصول الى الميناء البري ولو سيرا على الأقدام قمنا انا وشريكتي بالوصول معهن الى الاتجاه المقابل لشارع محمد نجيب من الديم و وداعهن والرجوع و لا ازال اذكر تناولنا للمياه الباردة من بقايا الثلج في الثلاجة وأكل وجبة بها خبز وكاننا جياع دهر من الزمان ثم لنرتاح قليلا ونرجع ناكل مرة اخرى .

قررت اليوم الذي يليه ان اتحرك باتجاه مسقط رأسي ومكان تواجد أسرتي لقضاء عيد رمضان مع الأسرة وانتظار توقف الحرب والعودة لمباشرة مشاريعي في الخرطوم تحركت باتجاه الديم تقاطع باشدار حيث توجد ركشات حسب الراكب “طرحة” تتجه باتجاه الميناء البري و حي جبرة الذي يقع جنوب الخرطوم للمبيت في منزل صديقتي والتحرك فجراً للميناء البري الذي تتواجد فيه شاحنات بضائع و حافلات ركاب تتجه إلى مدينة الأبيض عبر طريق كوستي الذي يقدر بما يزيد عن عشرة ساعات، فلم يكن هناك فرصة للوصول لمدينة أمدرمان واستخدام الطريق المختصر (أمدرمان الأبيض) مع الاشتباكات في محيط القيادة العامة والإذاعة والتلفزيون التي كانت اكثر المعـ.ـارك شـ.ـراسة ما زلت اذكر المشهد في الميناء البري وغلاء الأسعار وانعدام النقد وفزع الأسر والمسافرين واعمدة الدخان تتصاعد في الاتجاه الشمالي من المدينة أول ما قمت به بعد صعود السيارة هو تناول حبة الالتهاب التي تجعلني أغرق في النوم لم أرغب في رؤية مشاهد الدمـ.ـار والجـ.ـثث المتناثرة وكل ما يتحدث عنه الناس تلك الفترة في رحلات خروجهم من الخرطوم لانني اعلم ان هذه المناظر لن تخرج من ذاكرتي للأبد.

مع وصولي لمدينة الابيض تزامن الاشـ.ـتباك حول مطار الابيض الحـ.ـربي واشـ.ـتباك في حي القلعة جنوب منزل قائد قـ.ـوات الدعـ.ـم السـ.ـريـ..ـع وسلسلة من المخـ.ـاوف وانعدام للحركة في المدينة لعدة ايام ولفترة الشهرين المتتالين انقطاع شبه يومي للتيار الكهربائي وانعدام المياه وسـ.ـرقة مخازن الاغذية ومظاهر الجـ.ـوع والعطش وانعدام وسائل النقل والمواصلات وارتفاع اسعار المواد الغذائية مرات عدة اخرج من منزلنا في اقصى شرق المدينة الى منزل جدتي شمال المدينة ويندلع اشتباك ولا استطيع العودة للمنزل وتزامن مرتين أن اكون متواجدة في منتصف السوق الكبير وتصبح رحلة العودة الى المنزل مخيفة وقد أصبحت الابيض مدينة لا تُطاق العيش ، مدافع الهـ.ـاون تـ.ـدون وسقوط ضـ.ـحايا من المـ.ـدنيين داخل منازلهم والكثير من الحكاوى حول قصص السرقـ.ـة والنهـ.ـب لكل من اراد مغادرة المدينة راودتني فكرة الخروج مرة اخرى هذه المرة خارج البلاد وتحديداً الى كمبالا عاصمة أوغندا وبسذاجتي مرة اخرى ظننت أن الحرب لن تطول كانت الخطة لمدة ستة أشهر أدرس خلالها بعض الكورسات واعود لأجد الحرب قد توقفت ، لم اجد الفرصة الكافية لتوديع جميع الاصدقاء والاحبة ففكرة الخروج والنجاة الفردية لم تعطيني القوة لوداعهم من حسن حظي أن حظيت برحلة الى مدينة كوستي تخلو من النهب والسرقة والاعتداء كان ذلك مقابل ضريبة مبلغ جمعه سائق العربة من جميع المسافرين عبارة عن خمسة الاف جنيه لكل مسافر واعطاءه لقائد اول ارتكاز لكي يكلف جنديين بالصعود الى الباص ومرافقتنا حتى زوال الخطر لما يسموه هم بعصابات النهب المسلحة لم اكن وحيدة في رحلة اللجوء الى الخارج كان من المفترض ان ألاقى ثلاثة صديقات اثنتين قادمات من الخرطوم وواحدة من الدمازين نقطة التلاقي كوستي ثم نتحرك الى مدينة الرنك في حدود دولة جنوب السودان مع السودان ثم إلى العاصمة جوبا ومنها بالبر الى كمبالا كانت حسب خطتنا هذه ارخص رحلة للوصول وتوقعنا وصولونا بعد خمسة ايام كحد اقصى تحركنا مبكراً مستقلين عربة صغيرة الى منطقة جودة الشمالية ثم إلى جودة الجنوبية وهي المناطق الحدودية بين الدولتين ثم الرنك و لم تواجهنا مصاعب سوى ارهاب ارتكاز لقوات الجيش بعد مدينة ربك حاول الجنود فيه اخذ جزء من اموالنا.

استقر بنا المقام والمبيت مع احد اقرباء صديقتنا في مدينة الرنك وفي نفس اليوم خرجنا للسوق لحجز التذاكر الى جوبا مشوار تكرر يوميا لمدة 14 يوم نذهب لنحجز تذاكر وندفع لاحدى الوكالات او السماسرة مع وعود اننا سنحظى برحلة يوم غدا، مبكرا نأتي السوق بحثا عن السماسرة الذين يتحججون يوميا بسبب ان الرحلة تعطلت و الاجواء لا تسمح للطيران ، حدث خلاف بيننا و سائق الطائرة ومرات يتحججون بتأخيرنا ف، مشاوير مليئة بخيبة الامل والتواصل مع سمسار جديد وهكذا يوميا مع تناولنا لغذاء سيئ والكثير من المصاريف وتحولت الليلة التي كان يجب ان نبيتها في منزل قريب صديقتنا الى ليالي في غرفة لكوندة تحصلنا عليها بعد تعب بجانب العشرات من الاسر السودانية و الارترية والاثيوبية المنتظرة لرحلات الهروب بين وعود السماسرة وانتشار الباعوض والحمامات المشتركة حفظ السوق جميعا ملامح الاربعة بنات اللاتي يأتين حماساً في الصباح للسفر ويعدن الظهر بخيبة امل حتى في اخر يوم قبل سفرنا اغمى على احدانا من الجوع والتعب في منتصف السوق امام احدى الوكالات هذا الحدث هو ما جعل صاحب الوكالة يشفق علينا ويحجز لنا اماكن فارغة في طيارة البضائع التي تكلف مبلغ 250 دولار للفرد دفعنا مبلغ 1000 دولار لطائرة تنعدم فيها منافذ الهواء والكراسي تم شحننا في رحلة حوالي ساعتين بهذه الطريقة و معاناة جعلتنا نرتاح ليومين فقط في العاصمة جوبا والتحرك الى كمبالا عبر البر بالبصات السفرية اصعب جزء من الرحلة هو المرور بجنوب السودان جنود ورجال دولة بمجرد النظر الى مناظرنا يطالبوننا باموال حسب قولهم “طلعنا بها من الخرطوم هذه الأموال”.

كان للخرطوم تحدياتها في الخروج وكل منطقة مررت بها كذلك وايضا المكان الذي استقريت فيه تحدياته في اللغة والثقافة و الحنين الى الاسرة مع الخوف عند انقطاع الشبكات والكهرباء مضى على تواجدي في أوغندا سنة وبعض الأشهر لأجد صعوبة في التأقلم فيها هي الاخرى وهذه المرة أخذتني الرحلة الى كينيا محاولة ان اجد الاستقرار مجهول المدة الزمنية.

en_USEnglish
Scroll to Top